بيان العدد: الطراز والهوية

منذ ظهور أدبيات العمران للمدن الخليجية والسردية تتكرر؛ بأن المدينة الخليجية بنيت من ملح، نهضت من غبار الصحراء بهوية حداثية مستعارة من الغرب، ومن ثروة النفط. ولعل أيضًا مشكلة منظّري المدينة الخليجية أنهم يعتبرونها بأنها بلا ماضٍ، أي بلا ماضٍ يُعوّل عليه ويُبنى عليه. وقد تعمقت هذه السردية في عهد الباحثين والخبراء الذين أقاموا سنوات عديدة في المنطقة، وشكلوا سرديات ناجمة عن تفاعل خلفياتهم الثقافية مع المحيط الثقافي الجديد. ومع دخول القرن الواحد والعشرين أشرق علينا عهد جديد نتيجة تراكم خبرات المعماريين والمهندسين الخليجيين الذين درسوا و تدربوا في الخارج، ونقلوا النسخة المنقحة من فلسفة العمران إلى الداخل، النسخة المطعمة بالقيم الأصيلة النابعة من صلب الثقافة الخليجية لكل مدينة، والتي شكلت تجربتنا مع ما عايشناه في أحياء المدن وشوارعها، وما ورثناه من ذكريات الآباء والأمهات والأجداد في ربوعها بالرغم من اختلاف الأزمان.

ومع الإشراقة الجديدة في تشييد حضارة عمرانية خليجية ذات طراز واضح، شهدنا تحولات كثيرة في الرؤى التخطيطية والمعمارية التي ترفد حصيلة إبداعية نابعة من المبادئ والمفاهيم العميقة، والرؤى المدروسة التي تقوم على الأصالة وتحتضن الإبداع بعين مشرفة على المستقبل، خالقةً بذلك جمالية بديعة جديدة للمدينة الخليجية نتطلع جميعًا  لرؤية نتائج هويتها البصرية. والواقع هو أن هنالك أكثر من نسخة لواقع المدينة الخليجية، وحان الوقت لنشارك العالم نسختنا منها.

في هذا العدد نطرح أسئلة كثيرة حول الطراز والهوية في العمران الخليجي الحديث، مع تسليط الضوء على ميثاق الملك سلمان العمراني، ونود فيها استثارة أقلامكم أعزائنا الكتّاب، ونفتح المجال للمشاركات أن تتطرق لأكثر من موضوع منبثق من موضوع العدد أو ماسواه في أبواب المجلة التالية:

التخطيط الحضري
العمارة
التصميم الداخلي
المساحات الخضراء

ويمكنكم كتابة مقال رأي، أو مقال بحث علمي من منطلق: التصميم، القانون و الاشتراطات التعميرية، الثقافة، السلوك الإنساني، أو أي تصنيف فرعي تجدونه يثري الموضوع المراد تناوله. لمزيد من المعلومات حول اشتراطات الكتابة وتسليم النصوص، يرجى مراجعة المستندات المرفقة.

فريق التحرير

كلمة مستشار التحرير

ظلت العمارة في المجتمعات العربية لمدة طويلة تعاني أزمة الهوية وتداعياتها وتدور في فلك ثنائية الأصالة والمعاصرة في ظاهرها الشكلي لمدة طويلة من الزمن ، ولكن التعاطي مع الهوية من منظور متعدد التخصصات الذي يجعل المرء قادراً على تصور هذه الإشكالية بشكل اكثر شمولية تأخر كثيراً و لا يمكننا القاء اللوم على المختصين بالعمارة والعمران في العالم العربي فحتى الدول التي يتم فيها الإنتاج الحقيقي للأفكار والرؤى العمرانية المعاصرة كالدول المتقدمة لازالت هذه القضية تلوح في الأفق في عدد من جامعتها و مؤتمراتها المهمة.

ربما يكون هذا العدد في طرحه المتنوع يحاول ألا يكرر التساؤل المفتوح وانما تقديم حلول ربما تساعد في فهم والتعامل مع هذه القضية بخطوات اكثر عملية و رؤية واضحة، اللقاء مع الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم د. سمية السليمان واعتقد للمرة الأولى كلقاء نصي (مكتوب) يتم فيه الشرح عن ميثاق الملك سلمان العمراني كمنهجية استراتيجية نحو التميز في العمارة والعمران متكأين فيه على نتاج تجارب عمرانية مهمة وجوهرية شكلت صورة الرياض الحديثة بدعم و إشراف من الملك سلمان حفظه الله إبان إمارته لمدينة الرياض آنذاك، ولا يقتصر الامر في الميثاق على الأصالة و الاستمرارية و الاعتزاز بالهوية بالانغلاق عليها وإنما تحسين جودة الحياة و ووضع الانسان محور المعادلة في العمران الحديث، و كذلك التطلع للمستقبل بالتعامل مع تحدياته التقنية و النظر في حتمية استدامة العمران في المستقبل.

وفي سردية ممتعة يأخذنا المعماري علي لاري في نقد محكم لقضية زوال الهوية و فقدان بوصلة العمران الأصيل وكأنه روائي يحكي لنا قصة قصيرة عن قضايا ملحة في مدننا المعاصرة، عن سيطرة السيارة على شرايين الحياة بالحي السكني، عن إهمال الانسان في معادلة تصميم الحي السكني، عن النسق البصري العشوائي للمساكن للحديثة، عن تشتت المعماري بين حضور المفاهيم الغربية والاشتراطات المحلية، و إشكالية التعليم المعماري في التعامل مع هذه القضايا.  رؤية نقدية مغلفه بصبغة أدبية رفيعة اجاد فيها المعماري لاري حبكة القصة وتسلسل الاحداث والتشويق فيها، ورسم فيها المشهد العمراني في واحدة من مدننا الخليجية والتي أكاد اجزم انها تتشابه مع الكثير من مدننا المعاصرة.  هذا المقال يجعلنا نتساءل عن الممارسة التخطيطية في مدننا المعاصرة وهل كانت الهوية والسياق المحلي هي المنطلق الأساس في هذا الشأن، و مقال د. عبدالله ضيف الله يحاول تقصي الأثر المحلي في التخطيط الغربي الذي شكل السواد الأعظم من الممارسة التخطيطية في تلك الحقبة، متكأ على منهجية الفردية والبنيوية في تحليل عمران مدننا المعاصرة، و مؤكداً على أن القراءة العميقة للمشهد من الممكن أن تلقي الضوء على بعض الممارسات الفردية التي شكلت ارهاصات عمران متسق مع السياق المحلي، ومقدماً تصوراً جديداً على أن العمران المحلي لم يكن بالكامل منصهراً في الممارسات الغربية المعولمة وإنما هو نتاج تفاعل بين بنيوية التجارب العالمية و فردية  الممارسة المحلية. في ذات السياق يأخذنا المعماري عبد الرحمن المد الله للنهج الفكري والمجتمعي الذي أسهم في تبلور إشكالية الهوية وكيف يمكننا تفكيكيها والتعامل معها من خلال الأدوات المناسبة وبالتالي الوصول لفهم الاحتياج الحقيقي وبالتالي التعبير عنه بشكل يتجاوز الماضي و لكن لا ينفصل عنه وهو يؤكد هنا على قضيةقبول المختلفالمختلف من حيث النوع والصورة النمطية التي تشكل العمران الأصيل المعبر عن الهوية.

  ويحفل العدد في قسم الدراسات بدراسة مهمة من د محمد مشاري النعيم، يناقش فيها العناصر المعمارية التقليدية في البيئة النجدية، من خلال دراسة متعمقة لخمس مستوطنات وهي الدرعية، سدوس، والخبراء، وأُشيقر، والرياض القديم. محاولاً تفسير هذه العناصر على ضوء تأثير الثقافة على عملية صناعة الشكل المادي، ومؤكداً على أن جمالية العناصر المعمارية للبيئة التقليدية تنبع من اندماج المظهر المعماري العنصر ووظيفته مع القضايا الثقافية والاجتماعية ويتماشى مع القضايا المحسوسة وذات القيم المهمة للمجتمع.

وكذلك تعطي المجلة المجال لعدد من المساهمات لجيل من الكتاب الجدد سوآءا بتقديم مقالات نقدية لمشاريع قائمة مثل مقال المديفر و القضيبي والذي سعدت بالإشراف عليهم في مادة النقد المعماري بجامعة القصيم، او من خلال مقالات تسائل مكون الهوية من منظور فلسفي أو معرفي مهني كما يطرح م وسيم حلواني و م عبدالعزيز العنزي، أو من خلال تطبيقات لقضايا مباشرة بالهوية من خلال تجربة مختبر المنامة في مقال موسم من البريد تجربة استراتيجية لإعادة تأهيل مبنى ثقافي و تعزيز الحس المكاني لمدينة المنامة التراثية.

د فهد عبدالله العتيبي

تحرير،

هيئة فنون العمارة

استاذ العمارة المساعد، كلية العمارة والتخطيط، جامعة القصيم.

مستشار هيئة فنون العمارة والتصميم، وزارة الثقافة.

ميثاق الملك سلمان العمراني: نحو عمران ذو قيم

ميثاق الملك سلمان العمراني: نحو عمران ذو قيم

س: كيف اقتنع المسؤولون في المملكة بأهمية إنشاء ميثاق عمراني لضبط العملية التخطيطية والتصميمية؟ هل عادوا لمشاريع أخرى في دول أخرى أم هو مشروع أصيل؟ في بداية عملي بهيئة فنون العمارة والتصميم، قبل ثلاث سنوات تقريباً، تشرفت بتكليفي من قبل سمو الوزير (الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود) بمشروع يهدف إلى تأصيل العمارة السلمانية من وجهة نظر تخصصية، وبدأت عملية البحث بالنظر لممارسات سابقة...

قراءة المزيد

في ميزان الزمكان

يرتبط أسلوب الحياة وطريقة البناء ارتباطاً لا يدع مجالاً للشك بطبائع الإنسان، وعلى الأغلب مرَّت علينا المقولة: “نحن نشكِّل المباني، وبدورها تقوم بتشكيلنا”. إنَّ المجتمع

قراءة المقال »

هوية البيوت البحرينية

استيقظت ذات يوم متفكرًا حيث أنا. أنظر لهاتفي النقال -الذي قد عرّبتُ لغته الافتراضية- بجانب السرير لمعرفة الوقت الذي أفقتُ فيه من النوم، كانت إحدى

قراءة المقال »

ما هي هُويتنا المعمارية؟

  ما هي هُويتنا المعمارية؟  سؤال شائك يحتمل الكثير من المعاني، سؤال أرّق عدة أجيال، و بالتحديد الأجيال المتعاقبة بعد اكتشاف النفط والعولمة وانصهار الثقافات،

قراءة المقال »

فرانك لويد رايت وحديث الداخل

يكثر الحديث عن فرانك لويد رايت بوصفه أحد أهم معماريي الحداثة في النصف الأول من القرن العشرين, ورائد من رواد العمارة الحديثة ليس في الولايات

قراءة المقال »

قبول المختلف

كيف وصلنا إلى مرحلة أننا نناقش الهوية كمشكلة؟! كثر النقاش حول الهوية المفقودة في الوسط العمراني الخليجي لنحو نصف قرن، تزامنًا مع تصدير النفط من

قراءة المقال »

من البريد

من إعداد وكتابة فريق مختبر المنامة تأسس مختبر المنامة في أواخر العام الماضي من قبل أربعة معماريين بحرينيين، ليكون مختبرًا متخصصًا في الأبحاث والتصميم في

قراءة المقال »

متحف القصيم الإقليمي

المتاحف ذاكرة المجتمعات والسـجل الحي للحضارة الإنسـانية، فهـي تحفـظ إبداعـات الإنسـان ثقافاتـه أحلامـه وآمالـه، وتلقـي الضـوء علـى الماضـي، وتضـيء الحاضـر، وتتنبـأ بالمسـتقبل المجهـول. وهـي مـكان

قراءة المقال »

العمارة المتزنة​

نادي الفروسية شهدت الرياض طفرة إنشائية هائلة خلال السبعينيات والثمانينيات نتيجة لارتفاع أسعار النفط في السبعينيات، في ذلك الوقت وصفت مجلة نيوورك مدينة الرياض بأنها

قراءة المقال »