يكثر الحديث عن فرانك لويد رايت بوصفه أحد أهم معماريي الحداثة في النصف الأول من القرن العشرين, ورائد من رواد العمارة الحديثة ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل حول العالم.

فرانك الذي مارس ما يُعرف بـ”العمارة العضوية”، وهي عملية تصميم الشكل المعماري للمبنى تبعاً للبيئة المحيطة حوله وملائمة الظروف المناخية والوظيفية مع الأخذ في الاعتبار احتياجات العميل، كانت له لمساته الخاصة في الداخل، وأعني هنا التصميم الداخلي للفراغ بدءاً من قطع الأثاث وصولاً إلى قطع الديكور.

تنطلق التصاميم الداخلية لـ”رايت” من مفهوم “العمارة الوظيفية” نفسه، لذلك كان لزاماً على التشكيل الداخلي أن يوُّفر للمستخدم عاملي الهدوء والراحة، وأن تتسق القطع الداخلية مع بعضها لتحقق هذا الهدف. إن فلسفة المعماري هنا تكمن في كونه يرى أن نتاج العملية التصميمية يكمن في إخراج (قطعة فنية متكاملة) تبدأ من التفاصيل الخارجية وتنتهي بالتفاصيل الداخلية، ولأجل تحقيق هذا الانسجام يصرّح رايت “أن أكثر المساكن إرضاءً بالفعل هي تلك التي بُنيت فيها معظم قطع الأثاث أو كلها كجزء من المخطط الأصلي -مع الأخذ بالاعتبار- أن تكون العناصر كلها وحدة واحدة متكاملة”

الأثاث الذي قام بصنعه رايت كان عنصراً مكملاً للمنزل وامتدادًا لمساحاته الجمالية في آن واحد، متأثراً بالفن والأثاث الياباني، على ضوء ذلك قام بتصميم عناصر بسيطة وأنيقة لكن متطورة بحيث لا تسبب ضوضاء بصرية على صورة المشهد.
تنوعت قطع الأثاث الذي قام بصنعها ما بين “الأثاث المُدمج” والذي ينطلق من تصميم الفراغ الداخلي والخارجي للمساحة المستهدفة وبين “الأثاث القائم بذاته” والذي يمكن أن يتماهى مع مختلف الفراغات.
لقد أضحت المباني المدمجة مع قطع الأثاث والديكور خطّاً بارزاً وشائعاً في مسيرة فرانك بدءًا من منزله في ولاية إلينوي والذي تم بناءه في العام 1889، أدت تصاميمه التي دمج فيها بين الأثاث ووحدات الإضاءة والفنون الزخرفية في هيكل مبانيه إلى خلق نموذج متناغم وموحّد يشي برؤية فنيّة عظيمة.

أمثلة على بعض القطع التي قام (فرانك لويد رايت) بصنعها:
كرسي بظهر مرتفع: صُمّم هذا الكرسي لمنزل العميل وارد ويليتس في هايلاند بارك إلينوي. صنع من خشب البلوط بإطار ثقيل يُعبّر عن حقبة تصاميم منتصف القرن، ويكاد يكون منزل وارد بجميع القطع المصاحبة له بطاقة تعريف كأول تطبيق لطراز مدرسة برايري، وهو أحد الطرز الأبرز شيوعاً في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، ويتميز بخطوطه الأفقية، والأسقف المسطحة أو المنحدرة مع حواف متدلية عريضة، ونوافذ تتكّل في شريط أفقي، لتتكامل صورة المبنى مع المناظر الطبيعية المحيطة والبناء الصلب والاستخدام المنضبط للزخرف، وقد صُمم الكرسي خصيصاً لطاولة الطعام.
نماذج من الكراسي التي صممها فرانك بذراعين:
كراسي الأوريغامي:
كراسي بدون أذرعة:
كراسي المكاتب:
على اليمين تصميم كرسي لمبنى مكاتب لاركن في بوفالو نيويورك، مصنوع من الفولاذ والخشب
على اليسار: تصميم كرسي لمبنى جونسون واكس أحد أشهر أعمال فرانك على الإطلاق
الطاولات التي قام فرانك بتصميمها:
طاولة الكتابة الخاصة بمنزل فرانسس ليتل الصيفي، مصنوعة من خشب البلوط
الوحدات الزخرفية
يمكن تعريف الزخارف بكونها عناصر تصميم تتكرر وتُستخدم لخلق شعور بالوحدة والتماسك في الفراغ. استخدم (رايت) الزخارف بعدة طرق، مثل دمجها في النوافذ الزجاجية الملونة، إلى استعمالها في هياكل وحدات الإضاءة وتوصيفها كعنصر تصميمي رئيس في هيكل المبنى.
تضمنت الزخارف التي استخدمها رايت في عمله أشكالاً هندسية، مثل الدوائر والمربعات، والأشكال المستوحاة من الطبيعة، مثل الأوراق والزهور و غالباً ما قام بدمج هذه الوحدات الزخرفية في تصميم الأثاث والإكسسوارات، وكذلك في العناصر الزخرفية مثل ورق الحائط والمنسوجات.

نماذج على وحدات الإضاءة:
تنوعت وحدات الإضاءة لدى (فرانك) بين وحدات الإضاءة الجدارية، ووحدات الإضاءة الأرضية، ووحدات الإضاءة المخصصة للطاولات، ويمكن ملاحظة تأثر فرانك وولعه الشديد بالزخرف من خلال انعكاسه في شكل وحدة الإضاءة أو الصناديق التي تؤطرها.
نماذج من النوافذ الزجاجية:
يُشير فرانك إلى النوافذ باعتبارها شاشات ناقلة للضوء، كما أن لها أن تعكس فلسفته الأم بخصوص العمارة العضوية، والتي تنص على وضع المستخدم في تجربة فريدة مع الخرسانة واتصالها المباشر بالطبيعة.
اشتهر (فرانك) باستخدامه المبتكر للنوافذ الزجاجية الملونة في تصاميمه المعمارية، وكان يرى في (الزجاج الملوّن) جُزءًا لا يتجزأ من التصميم العام للمبنى، وأن لديه القدرة على تحويل الضوء الطبيعي إلى عنصر جمالي وروحاني في آن واحد.
من أشهر تصاميم الزجاج المعشّق التي قام فرانك بتصميمها هي نافذة شجرة الحياة، والتي صنعها خصيصاً لمنزل داروين دي مارتن في بوفالو نيويورك. وتتميز النافذة بشجرة منمّقة لها فروع ممتدة عبر النافذة بأكملها، في إشارة إلى الترابط بين جميع الكائنات الحيّة، وهي ترجمة لفلسفة رايت في تطبيق الزخارف العضوية ضمن أعماله.
مثال مشهور آخر على استخدام (رايت) للزجاج الملوّن هو معبد الوحدة في أوك بارك، إلينوي. ويمتاز المعبد بسلسلة من النوافذ الزجاجية الهندسية التي تهدف إلى خلق شعور بالوحدة والانسجام ما بين داخل المبنى وخارجه.
بعض النوافذ التي قام (رايت) بتصميمها كانت تعتمد على البساطة مع وضوح التكوين، محتوية على أشكال هندسية مفصلية، ومتكتلة بشكل متوازن مع مساحات مفتوحة من الزجاج غير المزخرف.
نماذج مصورة من أعمال فرانك الداخلية:





تتلخص تجربة رايت في كونه معماري شامل وحرفي من الطراز الأول، مع نظرة شمولية على مختلف الفنون البصرية، متأثراً بالفن الياباني، ومنطلقاً من أسس العمارة العضوية، بانياً مسيرة عظيمة في فضاء العمارة الحديثة عبر إرث عظيم خلّفه ولا يزال خالداً إلى اليوم وحاضراً في المحافل الفنيّة والأكاديمية.