المتاحف ذاكرة المجتمعات والسـجل الحي للحضارة الإنسـانية، فهـي تحفـظ إبداعـات الإنسـان ثقافاتـه أحلامـه وآمالـه، وتلقـي الضـوء علـى الماضـي، وتضـيء الحاضـر، وتتنبـأ بالمسـتقبل المجهـول. وهـي مـكان يجمـع الثقافـات الإنسـانية المختلفة في شـكلها، والمتجانسـة فـي مضمونهـا تحـت سـقف واحـد، فهـي مـكان تتشـارك فيـه المعرفـة مـع الجمال. وتعـد المتاحف مكوناً مهمـا فـي تعريـف الهويـة الثقافيـة المحليـة والوطنيـة للشـعوب، لـذا كان إنشـاؤها ضـرورة ملحـة للحفـاظ علـى التـراث الثقافـي الـذي يعـد واحـدا مـن الكنـوز الوطنيـة وأحـد المكونـات المهمـة للهويـة الوطنيـة الشـاملة للشـعوب. وتـؤدي المتاحـف وظيفة جوهريـة فـي صـون التـراث الثقافـي لأي مجتمـع وتنميته، وهذا مـا يجعـل لهـذه المتاحـف طابعاً مميزاً.
يعـرّف المجلـس الدولـي للمتاحـف (الأيكـوم) المتحـف بأنـه: “مؤسسة دائمة غير هادفة للربح من أجل خدمة المجتمع وتطويره، مفتوحـة للعامـة، مسـؤولة عـن اقتنـاء القطـع المتحفيـة وصيانتهـا وحفظهـا والبحـث فيهـا والتواصـل مع مجتمعاتها الإنسـانية وعرض نواتـج التـراث الثقافـي لتلـك المجتمعـات سـواء كانـت ماديـة أو غير ماديـة وذلـك لأغـراض التعليـم والدراسـة والترفيه”.
فمـن التعريـف السـابق للمتحـف نلحـظ أن المتاحـف تسـعى إلـى تحقيـق كثيـر مـن الوظائـف،
ولعـل مـن أهمهـا، وظيفـة الحفـظ والصيانـة للمقتنيـات المتحفيـة، ولأن المتاحـف هـي الأماكـن التـي أنشـئت لحفظ التراث الثقافـي بشـقيه المـادي وغيـر المـادي للشـعوب الإنسـانية فـلا بـد أن تحقـق تلـك المتاحف العناية الكاملة والاحترافية الكبيرة لحفـظ تلـك المـواد سـواء المعروضـة أو المخزنة فـي مخازنها. فالتـراث هـو ناتـج التجـارب أو الخبـرات الثقافيـة التـي ترشـد الشـعوب فـي أحكامهـم الروحيـة والماديـة، ولذلـك تسـعى الأمم وبجـد لكـي تؤكـد المحافظـة علـى تراثهـا الـذي قـد يـزول أو يندثـر وخصوصـا بعـد العولمـة الحديثـة وانتشـار التكنولوجيـا فـي شـتى مجـالات الحيـاة اليوميـة.
تعود أصل كلمة متحف بالعربية المكان الذي تتجمع فيه التحف والأشياء النادرة والثمينة وتتزايد قيمته كلما مر الزمن عليه.
هناك عشرات الآلاف من المتاحف في جميع أنحاء العالم تهتم بجمع أشياء ذات قيمة علمية، وفنية، أو ذات أهمية تاريخية، وجعلها متاحة للجمهور من خلال المعارض التي قد تكون دائمة أو مؤقتة. عرَّفته الموسوعة العربية بأنه “دار لحفظ الآثار القديمة، والتحف النادرة، وروائع المنحوتات اللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري، وقد يضم المتحف أعمالاً علمية أو أعمالاً فنية، ومعلومات عن التاريخ والتقنية.
افتتح أول متحف للجمهور وهو متحف “الأشموليان” في عام 1683م، في جامعة أكسفورد بلندن، وكان هذا المتحف يعرض مجموعة من الأشياء الغريبة والنادرة التي أهداها العالم الإنجليزي إلياس أشمول إلى الجامعة، وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأ المفكرون يدرسون وينظمون مجموعات كبيرة من المعروضات من كافة الأنواع وقد فُصلت الأعمال الفنية القيمة عن باقي الأشياء المتواضعة في قيمتها الفنية، صمم مبنى متحف أشموليان الحالي على الطراز النيوكلاسيكي من قبل سي آر كوكريل، وتم تشييده بين عامي 1841 ، و1845 م، ينقسم متحف أشموليان في أكسفورد لندن إلى خمسة أقسام هي: أولا، قسم العصور القديمة: يحتوي على مقتنيات من العصر الحجري الأول من: مصر، الشرق الأوسط، إلى أوروبا وبريطانيا. ثانياً، قسم التماثيل: تشتمل على تماثيل تم استعارتها من متاحف حول العالم وبخاصة (الرومانية، واليونانية). ثالثاً، قسم الفن الشرقي: يشتمل على مجموعات كبيرة من الشرق ومن العالم الإسلامي، الشرق الأوسط، الهند، جنوب شرق آسيا، والصين. رابعاً، قاعة العملة المعدنية: تغطي القاعة مجموعة من العملات المعدنية والأوسمة من عدة مناطق من العالم. خامساً، قاعة الفن الغربي: تضم القاعة مجموعة رسوم وصور ومطبوعات، ونحت، وسيراميك، وزجاج وآلات موسيقية ومجوهرات.
يقع متحف القصيم الإقليمي في مدينة بريدة العاصمة الإدارية للمنطقة ويتميز موقع المشروع كونه يقع في احد أهم أحياء مدينة بريدة، فهو يقع على طريق أبو بكر الصديق أحد الطرق الرئيسية المهمة في المدينة والتي تربط بين وسط وشمال مدينة بريدة، ويقع المتحف بجوار مدينة الملك عبدالله الرياضية، وبالقرب من العديد من المباني الحكومية مثل المحكمة العامة والمديرية العامة للدوريات الأمنية وفرع الغرفة التجارية وفرع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وفرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وغيرها.
شيّد متحف القصيم الإقليمي على مساحة 10000 متر مربع، وقد صمم المتحف بشكل مميز وفريد من قبل مكتب المهندس طارق علـــــــــــــــــي رضا للاستشارات الهندسية والذي استوحى تصميمه للمتحف من العمارة النجدية، بحيث نرى بتجلي الطابع المعماري النجدي في الواجهات الخارجية المصمتة والتي تحوي عدد قليل جداً من النوافذ صغيرة بأشكالها المثلثة معبرةً عن ارتباط المبنى بالعمارة المحلية للمنطقة، بالإضافة إلى استخدامه لمواد تشطيب بالواجهات مناسبة ومتجانسة لطبيعة المنطقة، كذلك قام المصمم بتأكيد الفناء الداخلي للمتحف بكتلة مربعة في منتصف الفناء وجعل المبنى موجهاً للداخل عاكساً بذلك أهمية الفناء بالعمارة النجدية.
يتكون المتحف من سبعة قاعات رئيسية للعرض المتحفي وهي: قاعة البيئة، القاعة التاريخية، قاعة تاريخ ما قبل الإسلام، قاعة تاريخ الإسلام، قاعة الفن الحديث، قاعة التراث، قاعة المملكة العربية السعودية، وهذه القاعات موزعة على كل من الطابق الأرضي والأول، ويبلغ ارتفاع الطابق بالمتحف 7 أمتار.
تبدأ رحلة الزائر للمتحف من المدخل الشمالي للمتحف إلى الكتلة المربعة في وسط الفناء الكبير حيث تحوي هذه الكتلة في الدور الأرضي مركز استقبال الزوار ثم يتجه للدخول إلى قاعة البيئة، بعدها ينتقل عبر السلم الكهربائي ذو الاتجاه الواحد للأعلى ليدخل بعد ذلك للقاعة التاريخية في الدور الأول، يليها قاعة تاريخ ما قبل الإسلام، بعدها ينتقل الزائر من الكتلة المربعة إلى الجزء الجنوبي من المتحف مروراً عبر جسر قصير بحوائط زجاجية تعطي اطلالة مباشرة للفناء ويتخلل هذا الجسر مقاعد لاستراحة الزوار بعدها يصل الزائر إلى قاعة تاريخ الإسلام، ثم يتنقل الزائر بعدها إلى قاعة الفن الحديث والتي في الجزء الجنوبي الغربي من المتحف، ينتقل بعدها الزائر عبر جسر صغير بعرض 1,8 متراً وحواجز خرسانية مفرغة لا يتجاوز ارتفاعها 1,2 متراً بحيث يمكن للزائر أن يشاهد قاعة الاستقبال بالأسفل وهو يسير على الجسر، يصل الزائر بعد ذلك إلى قاعة التراث والتي تقع في ركن المتحف الشمالي الغربي
وتحوي القاعة على حائط زجاجي كبير على طول القاعة بإطلالة على الفناء الداخلي للمتحف، بعد ذلك ينتقل الزائر إلى الجسر الأكبر في الواجهة الشمالية للمتحف حيث يبلغ طوله 43,5 متراً بحوائط زجاجية على طول الجسر بإطلالة من الجهة الجنوبية على فناء المتحف ومن الجهة الشمالية على المدخل الشمالي للمتحف وأضيفت الزخارف على التكسية الخارجية للجسر من الشمال لتعطي تشكيلاً مميزاً للجسر وللواجهة الشمالية للمبنى، عند نهاية الجسر يصل الزائر إلى قاعة المملكة العربية السعودية حيث تكون نهاية رحلة الزائر لقاعات المتحف، يمكن أن ينتقل الزائر بعد ذلك عبر الجسر إلى الكتلة المربعة وسط الفناء حيث يمكنه الانتقال عبر المصعد إلى الطابق الثاني حيث المكتبة الخاصة بالمتحف وقسم الأبحاث العلمية بمساحة تقارب 500 متر مربع، وللمكتبة واجهة شمالية بحائط زجاجي على امتداد المكتبة، وجزء من سقف المكتبة عبارة عن سقف زجاجي يسمح بدخول ضوء أشعة الشمس للمكتبة، وبذلك عمل المصمم المعماري على تأكيد أن تكون مكتبة المتحف وقسم الأبحاث العلمية مضاءةً بإضاءات طبيعية من الحائط الزجاجي الشمالي والسقف لتعطي شعوراً مميزاً وارتباطاً بالطبيعة لرواد المكتبة وقسم الأبحاث العلمية.
يحتوي المتحف على مسرح مفتوح يقع في الجزء الغربي، ويتدرج منسوب المتحف من الطابق الأرضي نزولاً حتى منسوب القبو، يبلغ ارتفاع المدرج من أرضية القبو حتى أرضية الدور الأرضي 5 متر، وللمسرح مدرّج للجمهور يتسع لأكثر من 200 شخص، ويبلغ ارتفاع الدرجات التي يمكن الجلوس عليها 0,3 متر بحيث تعطي رؤية واضحة للجمهور لمنصة المسرح، يخترق مدرج المسرح من الجهة الجنوبية سلم الدرج بارتفاع للقائمة 0,15 متر، وللمسرح منحدر طويل من الجهة الشمالية للمدرج وهو مصمم لذوي الاحتياجات الخاصة يبدأ المنحدر من بوابة المدخل الشرقي للمتحف مباشرة ويتجه نزولا حتى مستوى أرضية المســــــــــــرح.
إذا وقفت على منصة المسرح ستشاهد أمامك الكتلة المربعة الواقعة في منتصف فناء المتحف، والجسر الرابط بين هذه الكتلة والجزء الجنوبي من المتحف، عندها ستشعر بالارتفاع الكبير لأجزاء المبنى بالنسبة لك، وسترى التمايز بين الواجهات المصمتة باللون البني القريب من ألوان الطبيعة الصحراوية المحلية التي تتخللها نوافذ مثلثه صغيرة تعكس نمط العمارة التقليدية النجدية، والواجهات الزجاجية التي تعكس الروح العصرية الحية للمتحف، وتضيف الأعمدة البيضاء الدائرية المكررة المحيطة بالكتلة المربعة ومن خلفها الواجهة الزجاجية الكبيرة على طول المبنى مشهداً جمالياً ومميزاً لمن يقف على منصة المســــــرح.
من يشاهد المبنى يدرك بأنه له ارتباطاً وثيقاً بالعمارة المحلية لمنطقة القصيم، وذلك كان جلياً وواضحاً من تصميم كتلة المبنى المصمتة والتي لا تحوي سوى بعض النوافذ بأشكالها المثلثة الصغيرة ليحاكي المبنى المظهر الخارجي للبيت النجدي العتيق، وكان لتوجيه المبنى للداخل ليشكل احتواءً وتأكيداً للفناء الداخلي محاكاةً استطاع من خلالها المصمم أن يبرز أهمية الفناء كعنصر مميز في العمارة النجدية، أعطت المواد المستخدمة في تكسية واجهات المبنى ودرجة لونها القريبة من ألوان الرمال والصحراء ارتباطاً في البيئة المحلية للمنطقة، هذا الأمر جعل المتحف مميزاً ورائعاً ويشكل جمالاً بصرياً لمشاهديه.
باعتقادي بأن المتحف استوفى في تصميمه كل النواحي الجمالية والوظيفية، فتحقيق المتحف لمعاني العمارة النجدية في الشكل والتكوين والمظهر الخارجي أعطى جمالاً جاذباً ومميزاً للمتحف، ومن الناحية الوظيفية فقد كانت فراغات المتحف وكأنها تحكي قصةً لزائرها ليعيش من خلالها تجربةً مختلفة فيه، لقد استمتعت كثيراً بزيارتي للمتحف، أُعجبتُ بتصميمه المعماري وبتفاصيله الداخلية، واعتقد بأنه من أكثر المباني في المنطقة ارتباطاً حقيقياً بالهوية المعمارية النجدية لتحقيقه إياها في عناصرها الجمالية والوظيفية على حد سواء، وبذلك أرى بأن المتحف تحفةً معمارية بأصالةٍ تاريخية وروح عصرية فريدةٍ ومميزة.